حوار مع الشاعرة الأمازيغية المتمردة
مليكة مزّان
حاورها : حسين أحمد
Hisen65@gmail.com
لعل الأمازيغية المتمردة مليكة مزّان تتميز بخصوصية وتفرد في الكتابة الشعرية من حيث طرحها موضوعات حساسة برؤية مغايرة غارقة بالدهشة تارة والغرابة تارة أخرى .فالكتابة وتحديداً القصيدة لديها حالة حياتية صارخة محرضة,وإشكالية في الطرح لمجمل قضايا مجتمعها بحرية منفلتة .
فمليكة مزّان تؤمن بالحوار, وتؤمن بالتغيير,وتؤمن بالنقد التفكيكي وتؤمن بالحداثة الشعرية إلى حد المجون والجنون. كما أن مليكة مزّان ترفض وبشراسة القصيدة الموسومة بالرتابة والتكرار والملل والسطحية والانفلاشية -بمدلولها السلبي – التي تظهر في الراهن الثقافي العربي هنا وهناك. من هذا المنطلق أحببت أن أحاورها عبر هذه الشبكة العنكبوتية لأطرح عليها باقة من الأسئلة ،أتمنى أن يحصل هذا الحوار على رضى ودهشة القراء والمكترثين بالشأن الثقافي والمعرفي والإنساني في كل مكان ..
نص الحوار …………
س1- من هي مليكة مزّان..؟!وكيف جاءت إلى عالم الشعر والكتابة والتمرد ..؟
ج- مليكة مزان مجرد أنثى ، تريد أن تثبت بأنها الأنثى التي جاءت إلى العالم ، وليس إلى عالم الشعر فقط ، لهدف واحد : أن تعترض وتتمرد ، أي أن تخطط لطريقة جديدة أصيلة لمواجهة هذا العالم في بؤسه وقبحه ، أي أن تؤسس لكتابةٍ ولمواقفَ تعيد بناء هذا الخراب بمنطق الأنثى الذي هو منطق الحياة والنبل والحب والحق والجمال ، ضدا على أي منطق آخر ، أقصد كل منطق ذكوري مريض ، سواء كان منطق إنسان أو رب أو أي صنم آخر !
س2- لم تكن وليدة اللحظة العابرة التي ظهرت الشاعرة " مليكة مزّان " في عالم الشهرة والكلمة ,بقدر ما هو الطموح, والثقة الهائلة ,وأداؤها الثمل بالدهشة، هذه الخواص كلها جعلتها تظهر في إطارين متباينين.. ممارسة الإبداع الشعري بأسلوب مدروس من جهة،ورؤيتها السياسية إلى حد الفضيحة من جهة ثانية , في كلتا الحالتين مليكة مزّان مولهة بالكلمة الطيبة قبل أن تكتبها وتنطقها… فأين تجد ذاتها في كل هذا العطاء كالنبع الذي لا ينضب….؟
ج- أجد ذاتي في الإبداع الملتزم ، أي في الكشف عن الحقيقة المغيبة . لا أؤمن بالفن من أجل الفن ، الفن الذي ليس غايته نصرة الإنسان ضد اللإنساني فينا ليس فنا ، والكلمة التي لا تفضح جرائم القوي في حق الضعيف ليست كلمة طيبة ولا جميلة ، وعطائي في هذا المجال لا ينضب لسبب بسيط هو كون نبع المعاناة هو الآخر لا ينضب في تفريخ كل ما يهين الإنسان من أنواع الأصنام والأوهام التي تؤثث وجودنا ، هذا المأزوم الضائع القلق !
س3- المشهد الثقافي العربي مليء بالمتناقضات الصارخة ومتأثر بشكل كبير بثقافة الأنظمة العربية الاستبدادية… إذا ..كيف لمليكة مزّان أن تقوم بترمم ما صدعته هذه الأنظمة عبر قصائدها وكتاباتها وصرخاتها ,وخاصة أن الكثرين سبقوها في هذا النوع من الكتابة وباتوا الآن من المغضوب عليهم أم ماذا …؟!
ج- أما المشهد الثقافي العربي فهو عامة مستنقع مليء بالتماسيح التي تمتهن التحايل على الشعوب والكذب عليها بما ترتكبه من تجميل للوجه البشع للأنظمة العروبية الاستبدادية ومن تكريس لقيمها الفاسدة . إن المثقف العربي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثقف مخادع وجبان ، وفي أحسن الأحوال مثقف مستلَب حتى النخاع ، لا يمكن له أن يبصر العالم والأشياء إلا من خلال منظار هذه الأنظمة ومصالحها وإيديولوجيتها الموغلة في العبث والفساد وفي إبادة الآخرين ، إنه بذلك يشارك ( بوعي أو بدون وعي ) في تزوير الحقائق ، ويمدد بسبب ذلك عمرَ هذه الأنظمة بدل العمل على نسفها بفضح مخططاتها وإبطال وسائل تنفيذ تلك المخططات .
وكم يكون هذا الموقف أكثر إيلاما ومدعاة للحزن والإحساس بالغبن حين يصدر من مثقفين كبار ( يحسبون أنفسهم على الثقافة العربية من وزن أدونيس أو محمود درويش اللذين ضيعا عمرهما في الدفاع عن مخطط ثقافة عروبية استعمارية استغرقت قروناً لاكتساح أوطان الآخرين . مخطط ما زال أساسه تزوير الحقائق التاريخية والجغرافية ومسخ الهويات الأصلية لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ) بمشاركتهم مثلا في المهرجانات الثقافية لكل مدينة غير عربية أعلنت بالرغم منها ومن أهلها ″ عاصمة للثقافة العربية ″ ، أو بحديثهم مثلا ، وبدون حياء ، وهم في شمال إفريقيا وفي ضيافة أهله الأمازيغ عن عروبة المغرب الكبير ومدنه ، خاصة منها تلك التي مازالت محافظة على هويتها الأمازيغية ، بل تعتبر أقوى القلاع الصامدة للثقافة الأمازيغية أمام الاكتساح العربي مثل مدينة مراكش أو أغادير !!!
شخصيا وكمثقفة أمازيغية ناطقة بالعربية أحس بفرح كبير وأنا أرى قصائدي تنتقل من موقع إلى آخر حاملة معول تحريك الساكن وقلب الأشياء وزعزعة الأمن الداخلي لبعض النفوس المطمئنة لأوهامها وأصنامها ، والتشكيك في ما تعمل هذه النفوس جاهدة ( وأحيانا بحسن نية ) على الحفاظ عليه من الموروث الثقافي الإيديولوجي لهذه الأنظمة اللانسانية ، ذاك الموروث الذي لا يمكن لهذه الأنظمة أن تظل على عروشها يوما إضافيا واحدا من دون سند منه مما يفضح هشاشتها ولاشعبيتها …
هذا ما أريده لقصائدي : مواجهة هذه الأنظمة العروبية الاستبدادية ، بالانقضاض على كل ما تعتمد عليه من حقائق مزورة أو فكر رجعي تستمد منه شرعيتها وقوتها . وحين أكتب أكتب لأكون ، وعن سبق إصرار وترصد ، من المغضوب عليهم ومن ″ الضالين ″ . لا أكتب من أجل وسام أتسلمه من أي شخص أو أية جهة ، ولا من أجل جائزة أو شارع أو ميدان يحمل اسمي بعد وفاتي .
لحظة الكتابة لا يهمني إرضاء أي مخلوق أو أي رب ، تهمني فقط قوة الإنتشاء الذي أعيشه لحظة ولادة كل قصيدة ثائرة عاهرة كافرة مدمرة ! ذاك أنه في مجال الكتابة أعرف أن البقاء هو للنبيل وللجميل وللإنساني والشجاع من الإبداع والعطاء ، وليستفرد برضا الرب وهذه الأنظمة كل مثقف يستحق شفقة التاريخ قبل أن يستحق أوسمة الأرباب والأصنام و كل الولاة وكل الخونة …!
س4- ألا تعتقدين بان من يرهن شاعريته لأية أيديولوجيا أو يكبل نفسه داخل إطار سياسي محدد لاشك هو خاسر لإبداعاته ربما لذاته أيضا أم لك رأي آخر ..؟؟
ج- عندما سيخسر شاعر كمحمود درويش ذاته وإبداعاته ( وهو أولى بذلك مني لأن قضية شعبي الامازيغي وكل الشعوب الأصلية الأخرى والتي أدافع عنها هي أعدل بكثير من قضيته الفلسطينية ! ) نعم عندما سيخسر محمود درويش ذاته وكل ما قاله من شعر عن ″ معاناة ″ العرب والمسلمين بفلسطين التي احتلها العرب والمسلمون بعد غزوها ، يمكن لي بعد ذلك أن أخسر ذاتي وكل مشروعي الإبداعي والإنساني ، لكنه أمر مطمئنة أنا تماما إلى أنه لن يحصل أبدا ما دام المنطق السليم وكذا الحقيقة التاريخية الصارخة إلى جانبي .
ثم إن هناك فرقا كبيرا بيني وبين درويش ، فأنا أكثر كونية وإنسانية منه : فهو إن بكى الجندي الإسرائيلي وبكى الهندي الأحمر فقد نسي ، بل قد تناسى ولأسباب إيديولوجية عنصرية أخاه الكردي والأمازيغي والفارسي والقبطي والدارفوري وغيرهم ممن ذهبوا ضحية القومية العربية والثقافة العربية التي يدافع عنها هو وأمثاله ، وكل في سبيل أرض عربية وسبيل عروبة لا توجد إلا داخل الحدود الخاصة لمنطقة الحجاز أو في أوهام العروبيين المستفحلة !
ثم إن نضالي مؤسس على القيم الكونية المتفقة عليها لدى الضمير العالمي ، نضال يؤمن بضرورة تمتع الجميع بكل الحقوق الطبيعية ومن دون أي ميز عرقي أو ثقافي ، نضال لا يكيل بمكيالين كما يفعل أي نضال عربي يدافع عن قضايا منذ البدء هي الخاسرة .
إن نضالي ينتصر لقضايا حقيقية ، وينطلق من حقائق مسختها إيديولوجيا الغزاة العرب بالتزوير أو بالانتحال أو بطرق أخرى ، هذا بالإضافة إلى أني ليس لدي أي انتماء سياسي ، وإن كنت أرى أن من واجب المثقف الحقيقي أن ينخرط في النضال السياسي حتى لا يترك مجال تدبير الشأن العام للارتجال الذي تتحكم فيه المصالح المادية الوضيعة للحكام وللفساد الأخلاقي المستشري بينهم من عبث ومكر واحتيال !
س5 – لقد احرزت قصائدك وكتاباتك الجريئة استدرار محبة الشعوب المظلومة منها الكرد ولكن نتفاجئ بمن يزداد سخطا عليك بماذا تردين على هذا الكلام .؟!
ج- من يسخط علي هو يسخط في الواقع ويحقد على كل ما هو جميل ونبيل في الإنسان مثل : حب الآخرين ، والانتصار للحق وحده ، والنفور من كل أنواع القبح والظلم ، ويسخط على كل مواقف الشهامة والشجاعة الأخرى وليس فقط على شخصي وقصائدي .
عندما يستيقظ هؤلاء من حقدهم المجاني وتتفتح عيونهم على الحقيقة التي لا توجد في الخطاب الرسمي للأنظمة الاستبدادية الحاكمة إذاك سيقولون : كم ظلمناها ! وكم أسأنا فهم النوايا الإنسانية والأخلاقية الطيبة لمشروعها الفكري والإبداعي !
س6 – لقد أثارت قصائدك زوابع في أوساط المثقفين العرب ,و الأمازيغيين ,والأكراد، وكذلك أخذت صدى إعلاميا واسعا تجاوزت حدود المألوف. كيف وجدت مليكة مزّان تجربتها في المغامرة بالكلمة حين لامست قصائدها بؤرة التوتر والمحظور..؟؟
ج- وجدتها تجربة كان لا بد منها ، تجربة ترفض قدر شعوبنا المغلوبة على أمرها ، لقد جاءت تجربتي في الوقت المناسب ، وهناك من يقول بأنها تجربة مناسبة للمستقبل فقط ومؤسسة له ، ولن تجد لها من يرضى عنها في أوساطنا الاجتماعية والسياسية بل والإبداعية إلا في ما ندر ، وهذا لعمري شرف أن تكون تجربتي تخاطب عقليات لم تولد بعد ، وتؤسس لثقافة تنويرية تحررية ، ثقافة أجدني أنثر بذورها بفرح وسعادة كبيرين إلى جانب رواد آخرين كبار لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة !
س7- كيف ترى مليكة مزّان الخطاب الثقافي المغربي.. وما الذي تريدين من المثقف المغربي تجاه قضية الشعب الامازيغي ,هل من رؤية واضحة وصريحة في هذه القضية ..؟
ج- لا يختلف المثقف المغربي عن أي مثقف آخر مستلب يعيش في ظل أنظمة عروبية من المحيط الأطلسي ( الأمازيغي ) حتى الخليج الفارسي : فهناك المثقف الذي أيقظته المرحلة فانتبه إلى حقائق مغيبة ثم ثار يكشف عنها النقاب ويبعث فيها الحياة من أجل كرامة شعب لا تكف أبواق الثقافة الرسمية تخدر حواسه وتغسل دماغه وتمسخ هويته ، وهناك المثقف الذي لا يختلف عن عامة الناس المدجنين في التطبيل لخطاب المراوغة والتمويه خوفاً من التغيير الذي سيقلب الموازين ، أو بالأحرى سيعيد الأمور إلى نصابها ويحق الحق ويزهق الباطل .
المثقف الأول أعزل يكاد يذهب نضاله سدى ، والنوع الثاني ماض في جني الأرباح والأوسمة ، لا تهمه في شيء العدالة الحقيقية ولا الديمقراطية الحقة ولا المصالحة المنصِفة ولا كرامة الشعب الذي تذهب أحلامه بالعيش الحر الكريم أدراج الرياح والأوهام !
س8- ما الذي يستفزكِ برهة الكتابة…؟
ج- عجز القصيدة الصارخة ما بعد القصيدة الألف عن الإطاحة ببعض الرؤوس التي تمادت في هذياناتها وزعاماتها الحمقاء وكأنها أنبياء من خارج التاريخ الفعلي للإنسان ، هؤلاء يستفزني عجز كتاباتي وكل الكتابات الجادة الملتزمة عن الإطاحة بهم وتخليص الشعوب من نرجسيتهم المستفحلة ومن استخفافهم الطويل برغبتنا في أن نكون من نحن ومن نريد ، قدر استخفافهم برغبتنا في الركض نحو الحياة والحب والنور والمستقبل !
عشرات بل مئات القصائد الصارخة الفاضحة وما زال الخطاب الرسمي هو هو ، والثقافة الرسمية هي هي في كل مكان موبوء بالعنصرية والهمجية والظلم ، ومازالت الكراسي الوثيرة محتلة من قبل الأجسام المهترئة للذين يبيعون كرامة الشعب بدينار واحد للقنطار
س9- وما الذي يُشعركِ بالأمان..؟
ج- امنحني أي شيء يشعرني بالأمان وأنا أمنحك مقابله كرامتي ودقائق عمري المتبقية ، هناك يا سيدي رعب مستفحل متناسل من المعلوم كما من المجهول ، خلقنا للقلق وللرعب ، خلقنا للمغامرة بالحياة في أجواء كلها رعب ، ولكن لا علينا ربما في هذا الرعب وفي البحث عن مقابله الأمان معنى ما للحياة !
س10- كلمة أخيرة تودين قولها في نهاية هذا الحوار .؟
ج – مؤخرا فاجأتني إحدى قريباتي بأن جدي قال لها قبل وفاته بأيام قليلة بأننا ننحدر من عائلة عربية سكنت مدينة ″سطات″ عندنا في سهول المغرب ، ثم صعدت إلى جبال الأطلس المتوسط لتستقر فيها وتتمزغ أي تصير عائلة أمازيغية ( الأحرى أن نقول صارت تحمل الجنسية الأمازيغية ، تلك الجنسية التي تمنحها تامازغا/ شمال إفريقيا لكل من ولد بها أو مضت على استقراره عليها مدة زمنية طويلة )
فاجأتني تلك القريبة بما قاله جدي وقلت مع نفسي : إن كانت عائلتي من أصل عربي فهذا يعني أني قضيت سنوات من عمري أدافع عن قضية شعب ليس شعبي ، وثقافة ليست ثقافتي ، فهل أغير الآن موقفي وخطابي وأتنكر للقضية الأمازيغية وأنضم إلى صفوف المثقفين العرب لأدافع عن قضايا العروبة المفتعلة ؟!
وكان الجواب : كلا ، بل سأواصل التزامي بالدفاع عن الشعب الأمازيغي وقضيته العادلة مهما اكتشفت من ″ حقيقة ″ أصلي العربي إن كان جدي صادقا ، نعم سأدافع عن حقوق هذا الشعب لأنه الشعب الأصلي الذي استوطن شمال إفريقيا ولديه هوية ممسوخة ، وحقوق مهضومة ، وكرامة مجروحة ، وأرض مسلوبة ووو … وهذا يكفي لأقف إلى جانبه !
أعتقد أن المثقف الحقيقي هو ذاك المنخرط في واقع الحياة والإنسان بمواقفه الأخلاقية الشجاعة ، تلك المواقف التي يمليها عليه ضميره الحي وفكره النير ، مواقف إيجابية حضارية إزاء أخيه الإنسان ، مواقف الاعتراف والاحترام ، مواقف الحب والدعم والسلام .
ننتظرـ نحن الشعوب الأصلية ـ مواقف كهذه من جميع المثقفين المحسوبين على الثقافة العربية . فكما هناك ما يسمى بـ ″ التجمع العربي لنصرة القضية الكردية ″ أتمنى أن تظهر إلى الوجود تجمعات عربية أخرى لنصرة كل من شاء له تاريخه المر أن يقع فريسة سهلة في فخ العرب والمسلمين !
صدر للشاعرة الأمازيغية المتمردة مليكة مزّان :
1ـ جنيف .. التيه الآخر
2 ـ لولا أني أسامح هذا العالم
3 ـ لو يكتمل فيك منفاي ( قصائد / رسائل مفتوحة إلى مناضل أمازيغي
4 ـ حين وعدنا الموتى بزهرنا المستحيل
5 ـ متمرداً يمر نهدك من هنا
6 ـ لي في أوج الكفر اعتذارُ الآلهة
7 ـ أنا وباقي الملاعين