أوربا تشنق نفسها
أقلام القراء / Wafa Albueise
الحضارات كالشخص الطبيعي، تهرم، تمرض، ثم تموت، وعلى أنقاضها تولد حضارة أخرى، ومنها الحضارة الغربية. هكذا يقول ميشال أونفري، إيريك زمور، باسكال بروكنز وغيرهم.
المرض المزمن الذي تعانية الحضارة الغربية، سببه زحف الرأسمالية المتوحشة والليبرالية الجديدة على أوربا، حتى فرضت قوانينها وفلسفتها الاستهلاكية الأنانية على كل شيء.
إن حياة المواطن الغربي، مرتبطة أكثر ما يكون بالحاضر، وبتحصيل متعته الآنية وحدها، فضاعت نظرته الشمولية للواقع والمستقبل، لهذا توقف عن الانتاج والابتكار على مستويات مهمة مثل الفنون والفلسفة والآداب والأخلاق والجدل النظري البنّاء لأزماته الفكرية المعاصرة.
ما ينتجه الغرب اليوم، هو سينما بلا مضمون، فن بلا ذوق، أغانٍ ومسلسلات أقرب للمجون والتهريج، روايات بلا حبكة تلهث خلف فنتازيا سمجة ومفرطة، معارض للوحات تافهة ومقتبسة، تماثيل تسرف في التجريد، وحتى الجوائز الفنية العريقة التي راقبت حركة الفن لعقود، فقدت استقلاليتها وخضعت للتسيس، ولم تعد تُمنح للموهوبين، بل لمن يتبنون مواقف تتطابق مع وجهة النظر الرسمية لبعض القضايا، واستئجار أرحام بعض الفقيرات لتكوين عائلة غير متجانسة على حسابها، وانتشرت فضائيات مهجوسة بالموضا، والحيوانات المنزلية، والرياضات النخبوية كالغولف، والجنس المبتذل، وتسويق بضائع ومنتوجات لا تعني غير %15 من سكان أوربا معظمهم من النساء، أما التعليم فقد صار سلعةً مرتفعة التكاليف، لا يقدر عليه إلا أبناء المتنفذين والأثرياء وأرباب المال السياسي والديني، وانكماش الريف الأوربي، وتقلص الطبقة الوسطى، وتغول التكنولوجيا الرقمية وصناعة الأسلحة، واستفحال الفساد والتسيب الإداري سيما بجنوب أوربا….الخ
بالمقابل ما الذي بدأ يخترق الحضارة الغربية، ويتوغل فيها ببطء وإلحاح ويطرح نفسه بديلاً لها؟ إنه الإسلام.
المساجد في هولندا بالمئات وكذا فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبروكسل …الخ، والمدارس الإسلامية تنتشر بالعشرات في كبريات المدن الغربية، وكلها تلقن الإسلام السلفي أو الشيعي المتعنت، والمعاند للتقدم والحضارة، عدا عن تمدد الحجاب، وسيطرة جماعات مسلمة على أحياء كاملة بفرنسا وبروكسل وببريطانيا، حيث تتمدد العائلات في المكان بالإنجاب ولم شمل عوائلهم بأماكن أخرى، وفي هذه الأحياء يتشكل غيتو ديني ثقافي هووي، يفرض تقاليده على الدولة نفسها، فيمنع بيع المحرمات بأحيائهم التي لا يشاركهم فيها غالباً مسيحي أو يهودي.
البديل المتغلغل ليس بديلاً جيداً أبداً، فالإسلام لم يخضع للتحقيق والاستجواب اللذين خضعت لهما المسيحية واليهودية، ومنذ بداية تاريخه لم ينتج فلاسفة بل أنتج فقهاءاً، نعم هناك عدة فلاسفة مهمين (معظمهم قُتل وكُفِّر)، لكن ليس لدينا تفلسف ناضج ومكتمل، وليس لدينا مباحث معمقة في العقل والحرية والطبيعة والحكم، ليس لدينا علم ومنجزات تكنولوجية، وليس لدينا نظرة متحررة ومتسامحة مع المرأة والفنون وغير المسلم، ولسنا منشغلين البتة بمعضلات العصر الحديث، وأهمها التلوث والانفجار السكاني والديموقراطية وحقوق الانسان وارتياد الفضاء والاتصالات. باختصار نحن لا نملك نظرية للحياة لأننا لم نؤسس لفكر جدلي بالأساس، لهذا فنحن ماضويين سلفيين نجتر إسلام النبي والصحابة، ولهذا سيكون البديل عن الحضارة الغربية مدمراً.
لا أتوقع أن يحدث هذا خلال الـ 10 أو الـ 20 سنة القادمة إذا استمر الغرب في تجاهل مرضه، لكن سوف لن ينصرم هذا القرن إلا ونشهد على صعود الفاشية الاسلامية، كما صعدت فاشيات دينية وقومية أخرى غيرها.