بقلم عماد العباد
نقلا عن صحيفة الرياض
في عام 2002، كنت في زيارة لمدينة فانكوفر الكندية، وتوقفت عند مطعم يملكه مهاجر عربي. دار بيننا حوار قصير، وعندما عرف بأنني حديث الوصول إلى كندا، قال لي بلهجة تحذيرية: إياك ان تثق في هؤلاء الكفار، فهم لا يريدون لك الخير!
غادرت مطعمه وأنا أتساءل عن اللؤم الذي تنطوي عليه نفسه، هذا الرجل الذي ضاقت به الدنيا في بلده، وجاء ينشد الحرية والرخاء والأمان، لا يملك ذرة وفاء للأرض التي استضافته، وأعطته حقوقاً وامتيازات لم يكن يحلم بها. تيقنت من لؤمه أكثر عندما قضيت هناك سنة كاملة، ولم أجد من أولئك "الكفّار" إلا كل خير، كما أيقنت أيضا أنه ليس كل المهاجرين العرب والمسلمين، على شاكلة ذلك الرجل.
يذكر لي أيضاً أحد الأصدقاء المبتعثين إلى ألمانيا، شعوره بالتقزز من التحريض والكراهية التي كان يصرح بها إمام أحد المساجد هناك في خطبة الجمعة، يقول بأن الشرطة لا تستطيع اعتقاله، لأن ذلك يعتبر حرية تعبير، تلك الميزة التي ضمنها له البلد الذي يُحرض عليه وعلى أبنائه. ناهيك عن المزايا العديدة التي تقدمها ألمانيا للاجئين. مرتب شهري لكل فرد في الأسرة وسكن مجاني وكهرباء وماء وإعفاء من الضرائب وتعليم دون مقابل، وبطاقات مواصلات، وغيرها مما يحفظ كرامتهم، ويحترم إنسانيتهم.
أعادت لي الأحداث الإرهابية الرهيبة التي شهدتها أوروبا هذا العام، أوضاع الأقليات المسلمة في الغرب، وعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة منهم مسالمون وينشدون الحياة الهادئة التي يبتغيها الناس عادة، إلا أنهم مقصرون كثيراً في الانخراط والتعايش مع المجتمعات التي اختاروا الاستطيان فيها. ليس ذلك وحسب، بل كان تعاملهم سلبيٌ إلى حد ما، مع الأحداث الإرهابية التي شهدتها مجتمعاتهم، سواء كان ذلك في فرنسا، أو ألمانيا، أو بلجيكا، إذ لم نسمع عن خروجهم في مظاهرات حاشدة تندد بالإرهاب، أو عن مبادرات خيرية كبيرة قدموها للمجتمع، بل التزموا الصمت والشكوى من المضايقات العنصرية التي تعرضوا لها.
يخطئ من يظن بأن مثل هذه المبادرات، أو إظهار الغضب والرفض للجرائم الإرهابية هو بمثابة اعتذار عن جرم ليس لهم فيه يد، أو أنه إثبات للتهمة عليهم، بل هي مبادرة حسن نية، ورسالة للمجتمع الذي يعيشون فيه بأننا وإياكم في ذات الفسطاط الخيّر ضد ذلك الفسطاط المجرم، وهذا من شأنه تقوية التعاضد بينهم ونبذ تلك الخلايا الإرهابية الخبيثة.
ويخطئ أيضا من يظن بأن الأقليات المسلمة عاجزة عن حشد مثل تلك المسيرات الرافضة للإرهاب، أو تكوين لوبي يضغط على المحرضين هناك، أو القيام بمبادرات مهمة لتحسين صورتهم في المجتمعات الغربية، فردود أفعالهم تجاه القضايا التي تمس الرموز الإسلامية، تكشف قدرتهم على التحشيد، وإيصال أصواتهم للمجتمع الذي يعيشون فيه.
وأخيراً، الأقليات المسلمة والعربية التي تعيش في المهجر في الغالب، هي مجموعات خيّرة، وبريئة وقامت في السابق بمبادرات جميلة ومهمة، أذكر منها مبادرة مسلمي مدينة "لانس" الفرنسية الذين قاموا بحماية الكنائس هناك، خلال الاحتفال بأعياد الميلاد العام الماضي وقُوبلت باستحسان كبير، إلا أن مثل تلك المبادرات مازالت محدودة، وبحاجة إلى الكثير من العمل، والاجتهاد. ولتحقيق ذلك يتحتم على الأقليات هناك أن تسعى نحو هدفين، أحدهما بعيد المدى، وهو غرس الوفاء في أبنائهم تجاه الأرض التي سكنوها، وأسبغت عليهم الكثير، والآخر قصير المدى، وهو التعامل السريع وبكل جدية مع الوقائع التي يرتكبها أبناء المهاجرين، عبر التعاون مع الجهات الأمنية، والتلاحم مع المجتمع، والتي من شأنها أن تثبت رفضهم التام لمثل هذه الأعمال الدنيئة.