أقلام القراء / شذا الحداد / فرنسا
في إحدى السنوات القليلة الماضية قتل كاهن مسيحي فرنسي في الجزائر، يومها قالت الصحف أنه مارس طقوس العبادة في خارج إطار الكنيسة، وتكررت الحوادث تباعا، فقبل أسابيع قتل سائح فرنسي في البلد الجزائري ذاته على يد متطرفين، فهل مصطلح “الإسلاموفوبيا” جاء من الفراغ؟
لم تكن تلك الفتاة المغربية الأصل قد اعتادت العيش في بلد أوروبي كفرنسا، فتاة مسلمة بقيت ترتدي الحجاب وكانت تمارس طقوس العبادة وتحدثت بأنها رفضت العمل في إحدى المتاجر الفرنسية بسبب طلبهم منها خلع الحجاب ومثلها فعلت الكثيرات هنا وعلى أرض دولة علمانية.
قالت بوضوح إنّ القوانين لا تعنيها بقدر مايعنيها حفاظها على مجدها الأول، كانت تنظر إلى تلك الفرنسية القادمة من بعيد بريب، بينما كانت السيدة الجزايرئة الأخرى التي أتت فرنسا منذ نحو ثلاث أشهر تبحث عن مكان آمن قريب من الأحياء العربية، لأنّ ابنتها في عمر المراهقة ولا تريد المزيد من الصداع, استوقفتها عبارة قالها السيد الفرنسي، الذي راح يشرح مجمل تفاصيل الحياة الفرنسية، قالها باقتضاب وحزم شديدين: “فرنسا دولة علمانية ديمقراطية تحترم الأديان والحريات الشخصية”.
اعتاد ذاك الفرنسي مقابلة الكثير من العرب، وقال أنه حاول مساعدة الكثيرين لإجراء دورات الإندماج، وحفظ أنماط تفكيرهم، كان يذكر العرب بضرورة احترام قانون البلاد، وشرح بالتفصيل كيف كانوا قد زوروا الأوراق الرسمية وأنهم يجتازون الحدود عنوة، ويبعيون بطاقات التأمين الصحي ويتصرفون بها على نحو غير قانوني.
لا يمكن أسلمة المجتمع الفرنسي، هذا ما بدا واضحا من كلامه، في حين تحدث الجميع عن غبن وسحق لحق بهم كعرب جراء عدم مساواة شعروا بها.
كان التوقيت خطر جدا، هناك حملة دولية على الإرهاب الذي يعبر القارات قادما من أقليم المغرب العربي، وكأن التعميم مشروعا في هذه الحالة، هل كل العرب إرهابيون؟
هل نجح المسلمون اليوم بتقديم نموذجا حضاريا ناجحا، لاسيما في بلدان تواجدهم هربا من ديكتاتوريات عربية، لماذا كانوا في سائر أوربا مثالا صارخا عن الفوضى وعن اختراق القانون كانوا مع الإقصاء والإلغاء السياسي دائما.
أوربا بلد اختاره العرب كملجأ سياسي آمن ومورد اقتصادي لكن لم يكونوا يتعاملوا معه على أنه بلدهم وهويتهم، رفضوا في داخلهم كل أشكال الإندماج، ربما كانا صعبا.
دعونا نسأل قليلا: هل كان للعربي دورا في تشكل الفوبيا؟ هل الصورة كانت على مايرام، هو من اخترق القانون، و من رفض الطلاق والزواج في محاكم أوربية لأنه يريد محكمة إسلامية، وقبل بأن يعيش على راتب البطالة التي تمنحه فرنسا للعاطلين عن العمل، من بقي هنا طيلة حياته يبحث عن طريقة للإلتفاف عن القانون، من أتى لاستخدام بطاقة شقيقه الصحية للعلاج في فرنسا وهو يسكن في المغرب او غيرها، ومن أتى من إيطاليا عبر وسائل النقل البرية ليعيش هنا دون أي أوراق رسمية.
العرب يرون أنّ الفرنسيين غير جاديين في دمجهم كثيرا ، هم خصصوا لهم المناطق وحصروهم لهموهم وباتت تسمى” مناطق العرب”و لها اسواقها ولها طبيعتها وعاداتها، وبعض المناطق الفرنسية البحتة ترفض تأجير البيوت لهم هكذا قالت تلك السيدة التي وضعت إعلان لمنزلها على الأنترنت. فظهرت المشكلات ربما كان يجب على فرنسا أن تعالجها قبل أن تفضي الى نوع من الحقد أدى في نهاية الامر إلى نوع من التطرف وخلق إيديولوجيا ما باتت توصف اليوم بالفوبيا، هنا يوجد من لديه القناعة أن دولة الكفار يجب أن تنهب، ان تسرق ان تباد عن بكرة أبيها، كأنه الحقد والحقد مضاد، تحدثت الشابة السورية بإسهاب عن مقابلتها شاب جزائري ضبط بسرقة متجر كبير في منطقة “أميان” في فرنسا.
فرنسا تقول: بزرة التطرف حاضرة في كل وقت وتحتاج إلى شرارة لتطلقها، خاصة وأن العرب أقاموا لأنفسم كينتونات خاصة بهم، وكأنهم نقلوا تجربتهم في العادات والتقاليد البالية معهم حيثما ذهبوا ضمن القارة الأوربية.
فرنسا تقدر أن نسبة الفوضى والجرائم والسرقات في مناطق العرب وصلت (70)% وأن نسبة كبيرة من المسلمين في السجون!! لقد فعلت كل شيء من أجل الجميع، هي غيرت أسماء العطل الرسمية، من عطلة عيد الميلاد وعيد المسيح الى عطلة الصيف وعطلة الشتاء، و(70%) من المحال التجارية تبيع اللحوم “حلال” أكثر من (2270)جامع قائم. وبإمكان اي شخص الصلاة وسط الشوارع العامة وفعلها المسلمون مرة.
كانت تتركز معظم النشاطات للعرب والمسلمين على التقديم لرخصة لبناء جامع ما، كانت في غالبيتها اعتصام ما ضد قانون إدراج” وجبة لحم الخنزير “في المدارس للمسلمين، وتظاهرات ضد قانون “منع الحجاب او النقاب” وهو الجدل الأكبر الذي واجه العرب المسلمون.
ولم يحاول أي تجمع هنا سواء مغاربي او جزائري أو عربي آخر أن يضع بصمة حضارية، بل أن الخلافات تعصف بما يسمى في فرنسا” المجلس الفرنسي الإسلامي عام 2003 بتشجيع من نيكولا ساركوزي، الذي كان يومها وزيرا للداخلية، لإعطاء المسلمين الذين يعيشون في فرنسا، والبالغ عددهم ثلاثة ملايين ونصف مليون، هيئة تمثلهم. إلا أن نشاط هذا المجلس يتعثر بسبب الخلافات الداخلية التي تعصف به.
إن الحديث عن أي نشاط سياسي للعرب، يعتبر ضربا من الخيال، بل أن النشاط الاجتماعي او الثقافي شبه غائبا حتى أن هم مروا مرور الكرام عند خبر “فوز الفرنسي “بجائزة نوبل للآداب هذا العام”.
في حين كانت اللوبيات الأخرى فاعلة لها بصمتها واسمها وهدفها وسياساتها في بلاد أوربية، هناك اللوبي الصهويني الذي انتشر في كل مفاصل الحياة أنها سيطرة المال والعلم والتجارة والاقتصاد.
هل سيبقى العامل الديني هو محرك كل عقيلة عربية، هل تبقى مسالة تطبيق حدود الله وشريعته هي الشغل الشاغل للعرب، هل كانت فرنسا غير متسامحة فعلا؟ فرنسا لكل الفرنسيين، وتعتز بأنها صنعت الديمقراطية على بحر من الدماء عشية الحرب العالمية الثانية.