جذور ثقافة الكراهية عند العرب
أقلام القراء / د. عبد الحميد الأنصاري
نقلًا عن جريدة الإتحاد
التطرف الديني ليس وليد اليوم، وليس نتاج الأحداث الحاضرة، كما يعتقد كثيرون، فقد لازم المجتمعات العربية على امتداد التاريخ الإسلامي، لكنه كان مقصوراً على أفراد لا على جماعات وتنظيمات، إلى أن كانت واقعة التحكيم بين علي ومعاوية، فكانت بداية انشقاق الخوارج، أول تنظيم إرهابي مسلح، وخروجهم العنيف على أفضل مجتمع إسلامي، مجتمع الراشدين، وعلى دولة الخلافة الراشدة، تحت شعار «لا حكم إلا لله» الذي أثمر في أيامنا فكرة «الحاكمية» على يد المودودي، ثم سيد قطب، ليشكل المعتقد الفكري لجميع الجماعات المتطرفة في ما بعد.
ولو اكتفى الخوارج بالتمرد المسلح، ولم يكفّروا الصحابة رضوان الله عليهم ويستحلوا دماءهم وأموالهم، لقلنا مثلهم مثل غيرهم من الحركات المتمردة الانفصالية التي كانت تنهش الجسم السياسي الموحد للمسلمين، لكن الخوارج عُرفوا بالتطرف الديني العدواني الذي لا يكتفي بتكفير الخصم السياسي وإنما يستبيح دمه وماله وعرضه، وهو ما نسميه اليوم بالإرهاب.
أرفض منهج تسييس التطرف الديني، أو تبريره بوجود القهر السياسي وخنق الحريات وشيوع الاستبداد، أو تفسيره في ضوء العوامل الاقتصادية كالبطالة والضائقة الاقتصادية، أو ربط أسباب التطرف بقضايا الصراع الدولي، كقضايا فلسطين وكشمير والشيشان، أو بالوجود الأميركي في المنطقة، واحتلالها العراق، أو لأن المسلمين مستهدفون بالتآمر الخارجي.. إلى غير ذلك من الأسباب التي تروجها وسائل الإعلام المختلفة وقطاع كبير من الكتاب والمثقفين والدعاة من القوميين واليساريين والإسلاميين، وبخاصة خطباء الإسلام السياسي الذين يبررون التطرف الديني بأنه ردة فعل ضد السياسات الدولية الظالمة، وبأنه نتاج الأنظمة العربية المتسلطة، والاستفزاز العلماني للرموز الدينية، ويربطونه بما حصل من تعذيب لجماعة «الإخوان» في السجون!
كل تلك التبريرات والتفسيرات، في تصوري، لها هدف واحد لا غير، توظيف الإرهاب سياسياً، لخدمة الأجندة الحزبية لهذه الجماعات بمختلف توجهاتها (القومية واليسارية والإسلامية) عبر كسب الرأي العام وتهييجه وإثارته ضد الأنظمة السياسية الحاكمة.
إن ظاهرة التطرف كظاهرة التعصب، وليدة أسباب داخلية، وعوامل ترجع إلى تربية خاطئة، وتعليم آحادي منغلق، لا ينمّي العقلية النقدية ولا ينفتح على الثقافات الإنسانية، وخطاب ديني لا همّ له إلا تصوير العالم تآمراً ضد المسلمين، وإعلام محرض على الآخر يزرع الكراهية في نفوس وعقول الناشئة، وسياسات غير رشيدة تفرق بين المواطنين، ولا تعمل على ترسيخ سياسة «المواطنة الحاضنة» لجميع مكونات المجتمع على قدم المساواة.
كيف نعالج التطرف الديني؟
إذا أردنا معالجة عوامل التطرف الديني، فعلينا مراجعة أساليب التنشئة المبكرة، لأن أكثر المتطرفين -كما دلت الدراسات التربوية والنفسية- هم نتاج تربية غير سوية (بسبب التعدد العشوائي أو التفكك الأُسَري) وكذلك مراجعة مناهج التعليم وأساليب التدريس والبيئة التعليمية بأسرها، وليس مجرد تطوير المناهج والكتب الدراسية أو تنقيحها. ومن الأمور المهمة هنا، وجوب إبعاد المتشددين (دعاة الكراهية) عن الحقل التعليمي (وهذا ما نجحت فيه دولة الإمارات)، كما يجب ضبط المنابر الدينية، وتجريم استخدامها في غير أهدافها المشروعة، كتوظيفها لخدمة أجندة حزبية، أو لأفكار متشددة، يجب أن تكون منابر بيوت الله تعالى جامعة لا مفرّقة، منابر لجميع المذاهب والاتجاهات، تؤكد القواسم المشتركة وتنمي القيم والمبادئ الإسلامي السامية (وهذا أيضاً ما وُفِّقت فيه دولة الإمارات) كما ينبغي تطوير الخطاب الديني نحو الانفتاح على الآخر، وعلى القيم الإنسانية المشتركة، ويجب العمل على الحد من نفوذ السلطة الدينية، وكسر وصايتها على المجتمع، وتضييقها للحريات والمناشط الإنسانية، إضافة إلى ضبط الفتاوى المكفرة والمحرضة والمشككة في عقائد الآخرين.
وختاماً؛ التطرف عرَض لمرض، وإذا كنّا جادين في معالجة التطرف، علينا تجفيف منابعه الأولى وقطع جذوره الغائرة في التربة المجتمعية، فالتطرف أساسه عقيدة تدفع صاحبها إلى اعتقاد تملك الحقيقة المطلقة وبأن الآخرين على باطل، وهذا أساس المرض.