موقع إسرائيل بالعربية
أقلام القراء / بصراوي
مرة سنوات وفي ذاكرتي عبارة صديقي المسيحي..الذي قال لي حين سألته عن مستوى تعامل المسلمين معهم الآن فأجابني : (( لا بأس هم الى الآن جيدين معنا)) ثم استطرد متداركا حديثه : ((ولكن في الحقيقة الناس من حولنا ليسوا جيدين صديقي …نحن الذين نعاملهم بشكل جيد …لأن هؤلاء عندهم استعداد لكي يواجهونا بأسوأ أخلاقهم لو ظهرت منا بادرة سوء لخطأ ما مثلا ..لذلك سأهاجر ))……
في الحقيقة كان كلامه تلخيصا لمشاعر الأقليات الدينية في العراق ..التي لا تشعر بالراحة بين هذا الجموع التي تلاعبت بها مشاعرها الطائفية الى حد بعيد …لتطحن بعضه البعض بشتى الطرق … هناك مناطق قرب سكني في البصرة أذكر انها كانت يكثر بها المسيحيون والصابئة ولكنها الآن خلت من أهلها وبقت شاخصة تروي قصص ذكريات فيها أفراح وألم ….كما هي دور اليهود الخالية وبعد أن ماتت آخر امرأة مسنة يهودية كنت قد أدركتها ظلت دارها خالية …اختفت من العراق أروع ألوانه الإنسانية …تلك الطوائف الدينية التي حملت الرياده في الفكر والأدب والفن والتحرر والذوق والأخلاق ابتداءا من ماري تيز أسمر (تلك الفتاة المسيحية التي ولدت عام 1804 في سهول نينوى والتي كتبت عن رحلاتها الى إيطاليا وانجلترا وفرنسا ولبنان) الى عالم الفيزياء والفلكي والذي كان أحد تلاميذ انشتاين عبد الجبار عبد الله هذ الرجل العظيم الذي تفخر به طائفته المندائية الصابئية والذي اضطهده البعثيون أشد الاضطهاد …فقد العراق الوانه بسبب التعصب الديني والقومي والايدلوجي وغياب الوعي بقيمة الاخلاق الإنسانية …وحب الانتماء للدين أكثر من حب الانتماء للوطن غلب ذلك على أهله خصوصا الأكثرية المسلمة التي وباتت تحمل تلك العصبية الى كل مكان في العالم …تلك العصبية التي تبكي امامها فتاة صابئية أذكر دموعها حينما شاهدتها في لقاء على التلفاز وهي تروي مأساتها قالت : (( زميلتي المسلمة في الكلية قالت لي انكم المفروض لا تعيشون هنا أو لا حياة أصلا لكم لأنكم في ضلال لذا يجب قتلكم)) ….هكذا وبكل بساطة يتم الغاء تاريخ وكرامة انسان لأجل دينه وأفكاره في بلد أول حضارة سجلت الفكر والدين من خلال الكتابه على الرقم الطينية……تلك الرقم الطينية نفسها المحفوظة في متاحف لندن التي تذكر حوار يهود بابل مع قوروش الكبير ملك بلاد فارس الذي حررهم من الأسر البابلي حينما خيرهم بين الرحيل الى يروشلايم او البقاء في بابل التي عاشوا فيها لمئات السنين بعد إحتلال أرضهم وأسرهم على يد الملك البابلي فقال بعضهم له انها بلادنا ولن نرحل عنها إشارة الى وادي الرافدين ..هؤلاء هم أهل العراق االقدماء …صنعوا أمجادها بعلمهم وأخلاقهم وغادروها بسبب جهل وسوء أخلاق أهلها الحاليين