موقع إسرائيل بالعربية / أقلام القراء
بقلم جمال مزراحي
شهدت الساحة العربية تحولات ديناميكية غير مسبوقة كان من نتائجها زوال الدكتاتوريات العسكرية وإحلال الأحزاب ذات التوجه الاسلامي محلها لتقوم هذه الأحزاب فيما بعد بملىء الفراغ الذي يحمل في جوانحه تركات خلفتها تلك الأنظمة قبل رحيلها , لكن الحديث الذي يدور اليوم عن التغيير نحو الأحسن لم يكن واقعا أو حقيقة ان لم يتجاوز الافتراض فحسب!, لأن الصورة في المشهد العربي اليوم تبدو أكثر دموية وعتامة من سابقتها فلو تقرأ نشرات الأخبار ستجد الميليشيات المتطرفة تتصدر المشهد اليومي بعد ان كانت تعمل في الخفاء أو لنقل لا تعلن عن نفسها بشكل صريح كما هو الحال اليوم . فخذ ليبيا التي لا زالت تشهد قتالا شبه متواصل بين جماعات متطرفة تبرر شرعية وجودها من الدين ونصوصه وهذا يعني ان هذه الجماعات تنبع فلسفتها من فكر واحد رغم تقاتلها في الظاهر! وهنا تكمن المصيبة لأن المتضرر الوحيد من وجود هكذا جماعات تتبنى في خلفياتها الدينية الإقصاء والقتل …. الخ هو المواطن العادي الذي لا حول له ولاقوة مما يجري حوله. أما اليمن فمشهدها لا يقل ضراوة عن شقيقتها ليبيا فالحوثيين الشيعة المدعومين من إيران من جهة وجماعات القاعدة والقبائل الموالية السنية الموالية لهادي منصور من جهة أخرى, ولاننسى أيضا الدول المحيطة وجدت في هذا الاحتراب فرصة لإثبات الوجود تحت ذرائع إعادة الشرعية وما شابه …وهذا يعني ان الواقع الملموس في هذه البلدان يقول ان الصراع السني- الشيعي يجري اليوم بعناوين ملونة ان صح التعبير وبالرغم من ذلك إلا أنه لا زال الكثير من الناطقين بلغة الضاد يعزو هذا الصراع الداخلي الى نظرية المؤامرة المشروخة !, فلو تسأل رجل الشارع العربي سيقول لك بأن:" (الصهيونية) هي المسؤولة عن كل ما يحدث في بلداننا", وقد يصل الأمر بالبعض الى تبرير إيران وتنزيهها متقافزا بذلك عن الواقع بشكل يدعو للدهشة!.
لكن موضوعنا هنا يتعلق بنظرية (المؤامرة) التي لا زال الكثير يسلم بها من دون مراجعة أو حتى تفكير, ولنفترض جدلا ان (الصهيونية) وراء نشأة هذه المؤامرة كي نساير هذه العقليات في اتجاهها على الأقل لكن هل لهذه (الصهيونية) علاقة بالصراع السني- الشيعي القائم على الاختلاف المذهبي والتاريخي؟!, بل ان حتى في كتاب المسلمين القرآن توجد آيات محكمات ومتشابهات وهذه الأخيرة كانت سببا في نشوء الفرق والاختلافات فيما بينها والتي تطورت غبر الزمن لتصبح على هذه الشاكلة من هذا الصراع الأزلي , هذا ان سلمنا بأن أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان الذين جمعوا القرآن من أصول يهودية وهذا مستبعد طبعا !. فالخطاب الإسلامي- العربي لا زال يؤمن للأسف بهذه الأوهام ليمرر المزيد من التهم بين عقول مستمعيه لغرض التنصل من الثغرات التي عجزوا عن حلها في كتابهم ليبحثوا فيما بعد عن فزاعة يعلقوا عليها أخطائهم وعجزهم ولهذا السبب نرى المواطن العربي البسيط ضحية لهذا الغسيل المتوارث الذي أصبح اليوم جزءا من منظومته الفكرية ككل قبل ان يكون معتقد مسلم به .والذي يتحمل المسؤولية بهذا الخصوص هم بالأساس قادة الاعلام العربي وزعماء المؤسسات الدينية (البابوية) الذين أدخلوا شعوبهم في غياهب الأوهام والخيالات ليهيئوا تربة خصبة لهذا التطرف الذي يعاني منه الجميع اليوم .