أقلام القراء: الكاتب محمد ابوغلم / المغرب
كلما طرح موضوع التبشير المسيحي بالمغرب، لجأت الأطراف المتدخلة في النقاش إلى نفس الترسانة المعتادة من العبارات الجاهزة، والتحايلات اللفظية، من أجل الهروب من جوهر المشكل الذي هو حرية المعتقد، التي يبذل الظلاميون قصارى جهودهم لإخفائها بذرائع الفقر أو إغواء الطفولة البريئة. بينما يتعلق الأمر في الواقع باختيار حرّ للأفراد البالغين، والذين ليسوا في غالبيتهم الساحقة فقراء.
ويعيش الكثير من المسحين المغاربة في حالة دائمة من الخوف من الكشف العلني عن دينتهم مند اعتقال الشاب محمد البلدي الذي يدين بالمسحية 28 اغسطس/اب من العام الماضي بمدينة تاونات بتهمة زعزعة عقيدة مسلم" وفق المادة 220 من القانون الجنائي، وقد حوكم بسرعة قياسية "بعامين ونصف سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 5000 درهم .
ومن الصعوبات التي تواجه المسحين المغاربة هي ملاحقات الاجهزة الامنية وتشدد المجتمع وعدم تسامحه لكونه لا يتقبل رؤية مسلمين سابقين يعتنقون ديانة اخرى وكذا منعهم من الصلاة بالكنائس لتهديد الدولة رجال الدين من اجل منعهم من اداء شعائرهم الدينية… وأثارت دعوة إعلامي مغربي الملك محمد السادس لزيارة إحدى الكنائس في البلاد جدلا كبيرا بين عدد من الناشطين ورجال الدين ساهم في تسليط الضوء على تهميش الأقلية المسيحية في البلاد.
ودعا الإعلامي ‘رشيد المغربي’ (المعروف بتقديم برنامج تبشيري في قناة ‘الحياة’ التي تبث من قبرص) قبل أيام العاهل المغربي لزيارة إحدى الكنائس الموجودة في البلاد، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستكون ‘مبادرة تاريخية تضع اللبنات الأولى لأسس حرية المعتقد والدين مع الحفاظ على وحدة الوطن’.
وانتقد تجاهل حقوق الأقليات في المغرب، متسائلا ‘متى يزور الملك الكنيسة ويحضر اجتماعا دينيا يوم الأحد ليرسل رسالة للعالم أجمع، مفادها أن إمارة المؤمنين لا تستثني المسيحيين المغاربة ولا تحرمهم من كرامتهم ووطنيتهم’. ويشكل المسيحيون حوالى 1 بالمئة من المغاربة (380 ألف) وفق بعض الإحصائيات الرسمية، ويتيح الدستور المغربي (الفصل الثالث) لجميع المغاربة حرية ممارسة شعائرهم الدينية، ولكن القانون الجنائي يعاقب كل من يتحول إلى ديانات أخرى غير الإسلام، وهو ما يراه بعض الناشطين خرقا سافرا للدستور.
وأثارت دعوة رشيد المغربي حفيظة الشيخ محمد الفزازي (أشهر رموز السلفية في المغرب) الذي اتهمه بـ’الردة’، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الكنائس في المغرب ‘خاوية على عروشها لا يرتادها أحد إلا قليلا من الأجانب’.
وأضاف في تصريحات نقلتها صحيفة ‘هسبريس′ الإلكترونية ‘خلو هذه الكنائس ليس بتضييق من أحد، بل لأن الشعب المغربي مسلم في أغلبيته الساحقة يعمر مساجد الله إيمانا بالله، مصداقا لقول الله ‘إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله’. وتابع مخاطبا رشيد المغربي: ‘استمتع بردتك في قبرص، لا مكان لك بيننا، والملك محمد السادس أكبر وأجل من أن يُصْغِي إلى خائن لدينه لا يفتر عن الطعن في القرآن العظيم وفي سيدنا محمد رسول الله’. وكان الفزازي اتهم في إيلول/سبتمبر الماضي رشيد المغربي باختراق صفحته في موقع فيسبوك ووضع علامة الصليب إلى جانب صورته، فيما نفى المغربي أي علاقة له بالأمر، مؤكدا أن ذلك ليس من شيمه ولا عاداته. وأثار تصريحات الفزازي بدورها انتقادات كثيرة من قبل بعض الناشطين المغاربة، حيث علق الباحث الأمازيغي أحمد عصيد على اتهام الفزازي للمغربي بالردة بقوله ‘من حسن حظنا أن الشيخ لا يمثل الدين الإسلامي، ولا يملك مفاتيح الوطن، وإلا لكان الإسلام دين قسوة وكراهية، ولكان الوطن جحيما لأبنائه’.
وحول خلو الكنائس المغربية من روادها، قال عصيد مخاطبا الفزازي ‘ننهي إلى الشيخ أن الكنيسة بالمغرب تعمل في إطار قوانين تلزمها بالامتناع عن ممارسة أي نشاط تبشيري، وبضرورة طرد أي مغربي يقترب منها بغرض أداء الصلاة، وعدم السماح له بذلك. ويمكن للشيخ أن يستشير المسؤول عن الكنيسة بالمغرب حتى يخبره بالقوانين المبرمة بين الكنيسة والدولة المغربية’. وأردف ‘كما نذكر الشيخ بالمادة 220 من القانون الجنائي والتي يعتبر بموجبها كل من يظهر ممارسات دينية غير التي تتبناها الدولة رسميا شخصا يعمل على ‘زعزعة عقيدة’ المسلمين’. وكان تقرير لوكالة الأنباء الإسبانية (نُشر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي) سلط الضوء على الصعوبات التي يواجهها المسيحيون المغاربة في المغرب ، منتقدا طرد السلطات لعدد من المبشرين وممارسة التضييق والاعتقال ضد الذين تحولوا من الإسلام إلى المسيحية.
وكما قال الاستاذ احمد عصيد السؤال المطروح هو: أليس الدستور هو الذي يوفر الحماية القانونية لجميع الحقوق والحريات، ويحمي الأفراد من غلواء السلطة وشطط بعضهم ضدّ بعض؟ كيف إذن نسعى إلى حذف شيء من الوثيقة الدستورية ثم نتبناه بعد ذلك ؟
في الواقع لا غرابة هناك، فنحن في بلد التناقضات والسكيزوفرينيا، وإلى حين أن نحصل على أجوبة واضحة من إخواننا المتشدّدين في الدين الذين بلغوا غاية الارتباك هذه الأيام، نؤكد على ما يلي:
ـ أن استعمال كلمة "التنصير" في حدّ ذاتها تحريف للواقع، لأنها توهم بأنّ التبشير تحويل قسري للأفراد عن معتقدهم الأصلي عبر الإكراه، والذين يلجئون إلى هذا التحريف إنما يفعلون من أجل تبرير استعمال ما ورد في الفصل 220 من القانون الجنائي، والذي لا يتطابق مطلقا مع ما يجري في الواقع.
ـ أن ما ورد في القانون الجنائي يطبق بشكل جزئي وانتقائي حيث يشمل البعض دون البعض الآخر، فالذي يعوق غيره عن أداء شعائره الدينية يعاقب طبقا للقانون، لكننا نكتشف في سلوك السلطة بأن المقصود هو "من يعوق مسلما عن أداء شعائره" وليس غيره، ما دامت السلطة نفسها تعوق من ليس على الدين الرسمي وتمنعه من أداء شعائره الدينية.
ـ أن ذريعة الإغراء بالمال التي تستعمل من أجل التضييق على التبشير المسيحي أو غيره، هو ما تقوم به الجمعيات الإسلامية في كل بلدان العالم، بل إن الوهابية العالمية تخصص لذلك ملايير الدولارات، ولولا المال السعودي والخليجي لما كانت جمعيات التبشير الإسلامي بالعدد الذي هي عليه في القارات الخمس.
جمع واعداد: محمد ابوغلم
Aboughalem92@gmail.com