الصراع المصري الخليجي
أقلام القراء / بقلم جمال مزراحي
لم ينتج لنا هذا التحول التاريخي الذي ندعوه "بالربيع العربي" غير المزيد من الأشواك التي ما كنا لنعرفها لولا هذا التغيير المزعوم فالانقسامات الخفية تبينت فحواها جلياً بينما كان الإعلام العربي يسلط الضوء على الدكتاتوريات العربية وممارساتها ويغض الطرف عن أمور وقضايا كثيرة تتعلق بشعوب هذه الدكتاتوريات وما يمتلكها من عيوب وسلبيات تتعلق بالثقافة الديموقراطية والوعي السياسي.
ففي مصر الثورة كما يسمونها تناولت الكثير من الوثائق المسربة الصراع المصري السعودي –القطري الذي يعد اليوم أمراً واقعاً تعود جذوره لعقود طوال (من الحقبة الناصرية مرورا بالألفية …) , ومن هنا يمكننا ان نعتبر الأسباب التي تقف وراء هذا الصراع قائمة على العامل الاستراتيجي الذي يتمثل بالتنافس على الهيمنة في المنطقة وفرض الإرادة على حساب الآخر, خصوصاً وأن مصر تمثل الثقل السياسي الأكبر في المحيط "العربي" لعوامل تتعلق بالكثافة السكانية والموقع الجيوسياسي مما يمس مكانة دول الخليج التي ترى في ذلك تهديداً لمصالحها وهيبتها, والدليل على ذلك بذل السعودية وقطر و الإمارات مساعيهم لتمهيد طريق الحكم للأخوان المسلمين في مصر وهذا ما تم بالفعل خلال أربع سنوات لولا الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي بفترة وجيزة والذي دبر بليل من قبل أطراف عسكرية معارضة, وعلى أعقاب هذا الانقلاب كشفت الكثير من الوثائق التعاون المشترك بين الأخوان وحكام الخليج فضلاً عن تواطؤ الكثير من الأجهزة المصرية مع هؤلاء الحكام من خلال منحهم امتيازات مالية كبيرة كطرق عهدناها من الأنظمة الخليجية في التآمر وشراء الذمم !, ولا ننسى الخلاف الحاد على الأزمة السورية قد أذكى المزيد من نار الصراع بين الطرفين خصوصاً هناك أطراف مصرية مقربة من الحكومة تؤيد وجود بشار الأسد في وقت تدين دول الخليج هذا النظام بشدة وتدعم المعارضة لإسقاطه, هذا فيما يتعلق بالشق السياسي, أما العامل الآخر الذي لا يقل أهمية عن سابقه يتعلق بالمكانة الحضارية على وجه الخصوص فمصر كدولة وشعب دائما ما نراها تتجه نحو العزلة عن المحيط يدفعها في ذلك المبالغة بكبريائها وشعورها بالاستعلاء تجاه الآخرين وهذا ما لحظناه في الأزمة المصرية- الجزائرية الماضية أما اسباب تلك البارانويا المصرية فهي تعود لجذور الفراعنة القديمة ومن يقرأ التاريخ سيعرف ذلك جيداً.
ومن هنا نرى الكثير من الخليجيين يتحفظون تجاه المصريين يدفعهم في ذلك الشعور بفقدان الهوية الحضارية والإرث التاريخي مقارنة بالمصريين والعوامل حول هذا الموضوع كثيرة ومتشعبة لمن يريد أن يقرأ ويتابع. ومن هذا المنطلق نستطيع ان ننسف كل ما كان يوهم به الرأي العام والعالم من إن الدول والشعوب العربية هي وحدة واحدة وذات تاريخ وهدف مشترك فالأروقة السرية التي ظهرت بين أيدينا دحضت الكثير من هذه المقولات الخمسينية التي لا زال يتشدق بها القادة العرب وشعوبهم الى اليوم !.