تدخل روسي أم احتلال روسي ؟ / موقع إسرائيل بالعربية / بقلم جمال مزراحي
لا يمكن لنا ان نتكهن بما ستؤول إليه الأزمة السورية التي باتت اليوم أكثر تعقيدا وتشابكا من السابق والسبب الرئيس وراء تنامي هذه الأزمة يتعلق بالطبع بالدعم الروسي الذي تطور لمستويات أكثر خطورة فالدعم العسكري على الأرض أطلق عنانه اليوم ليحلق الطيران الروسي في الأجواء السورية بكل حرية والهدف من هذا الدعم بحسب ما يشيع الروس هو القضاء على ما يعرف بتنظيم( الدولة الإسلامية), وهذا الأمر بحد ذاته يعتبر محض شك وقلق في آن بالنسبة للولايات المتحدة والناتو.
حيث ان من يتابع الضربات الروسية جيدا سيدرك بأنها لا تستهدف معاقل هذا التنظيم المتطرف! فالطيران الروسي الذي يعتبر أكثر تدميرا ودقة بالمقارنة بالطيران السوري لم يقصف غير مواقع في إدلب وحماة وحمص وتلبيسة وهذه المناطق تحديدا لا يتواجد فيها عناصر التنظيم بحسب المواطنين السوريين وإنما على الأغلب تتواجد فيها الجماعات المسلحة المحسوبة على المعارضة المعتدلة وهذا يعني بأنها كانت هدفا لهذه الضربات بدون شك, بل ان أحد أعضاء المجالس المحلية في حلب التي تعرضت هي الأخرى للغارات الروسية أكد بأن مدينته لم يطأها التنظيم منذ عام ونصف!, والسؤال المهم هنا لماذا دير الزور والرقة التي لا زال عناصر التنظيم يسرحون ويمرحون في أراضيها يطبقون الأحكام الشرعية على هواهم لم تكن هي الأخرى هدفا لهذه الضربات الموجعة ؟!.
هذا التساؤل يعطي أشارة مهمة تفيد بأن الدعم العسكري الروسي لم يكن هدفه القضاء على التنظيم الذي يتواجد في المناطق المذكورة وإنما على الأغلب جاء للقضاء على أنصار المعارضة السورية (المعتدلة) الذين يعتبرون أكثر تهديدا لوجود بشار الأسد مقارنة بداعش الذي يكتفي بضم مناطق معينة يضمن فيها سلامة خطوط إمداداته ليقيم فيها فيما بعد دولته المزعومة تطبيقا لقاعدة الدولة الضاغطة كما هو الحال في لبنان وهذا يعني بأن التنظيم لا يخطط لسقوط النظام مطلقا, وهذه الرؤية قد تتماشى مع الكثير من الأنباء التي تفيد بان قادة داعش الكبار مخترقين بشكل غير مباشر من قبل عناصر يعتقد بأنها تابعة لأجهزة مخابرات النظام السوري (والحديث عن هذا الموضوع معقد يحتاج لحلقات طويلة).
قرارت بوتين الجريئة كما يصف مؤيدوه لو نظرنا إليها من زاوية منطقية ستجلب له بما لا يقبل الشك المزيد من المتاعب على المدى البعيد فالولايات المتحدة بالرغم من ما آلت إليه سياستها من التردد والازدواجية على مستوى القرارات إلا انها قد تلجأ مع الاتحاد الأوروبي الى تجديد العقوبات الاقتصادية على روسيا وهذا سيفاقم من الوضع الاقتصادي في موسكو ولا ننسى أغلب فئات الشعب الروسي معترضين في الحقيقة على التدخل العسكري الذي يعتبر احتلالا غير مبرر بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة, لأن هذا التدخل \ أو الاحتلال قد يجلب المشاكل لموسكو وقد يوسع دائرة الأعداء في الداخل والخارج ان لم يكن تكرارا لأزمة أفغانستان وما ترتب عنها من خسائر في الأرواح والأموال لا زال صداها أليما بالنسبة للروس.
بوتين يبدو اليوم يقامر بكل ما يملك في سبيل الوصول لهدفه الذي يتضمن بقاء بشار الأسد في سدة الحكم أو على الأقل بقائه طرفا فاعلا في الصراع لأطول فترة ممكنة ,أما الهدف الآخر بالنسبة لبوتين هو إبعاد الأنظار عن الوضع الشرقي في أوكرانيا وإشغال العالم بالأزمة السورية ربما لإعادة الاعتبار لموسكو على الساحة الدولية الذي فقد بريقه لزمن طويل. ولكن في المقابل يجب على عراب روسيا ان يعلم جيدا بأن التعويل على نظام كنظام بشار الأسد لن يصب في صالحه كما ان مواجهة المتطرفين الإسلاميين ليست هذه المرة كأوكرانيا و جورجيا فما علينا غير الترقب وحساب النتائج قبل ظهورها .