أقلام القراء / بقلم : د. حسين الديك
لقد عرف التاريخ الكثير من الطغاة الذين تجبروا وظلموا وفجروا واستعبدوا وعاثوا في الارض فسادا كثيرا ، ولكن هناك شيىء وحيد جمع كل الطغاة بان النهاية كانت واحدة وحتمية مهما تجبروا وظلموا واستعبدوا لكنهم اشتركوا في النهاية المأساوية الواحدة ، ولكن الكثير من الناس لا تعتبر ولا تاخذ تلك الحالات عبرة لها .
ولكن السؤال الاهم هو من يصنع هؤلاء الطغاة ؟؟ لماذا ينتشرون في مجتمعات بحد ذاتها ويختفون من مجتمعات اخرى؟؟ لماذا يستمرون في ظلمهم وتجبرهم وبطشهم في مجتمعات معينة ؟؟ بينما يتم اقصائهم والتخلص منهم في مجتمعات اخرى؟؟ لماذا يتركز الطغاة في عصرنا هذا في بقعة جغرافية معينة ويختفون من بقاع اخرى في العالم ؟؟ لماذا يرتبط الطغاة بثقافة معينة ويختفون لدى ثقافات اخرى؟؟ ما دور الثقافة والدين والوضع الاقتصادي في استمرار الطغاة وتجبرهم وتحكمهم في البلاد والعباد في دول العالم الثالث واختفائهم من الكثير من الدول ؟؟؟.
لقد حاز العالم العربي منذ منتصف القرن الماضي على براءة اختراع وهي ظهور الطغاة وامتلاكهم زمام الحكم في البلاد العربية ، وقد استمرت هذه الانظمة في حكمها دون منازاع ، ليس هذا فحسب بل اصبحت الشعوب العربية كلها تبجل وتهلل وتمجد هؤلاء الطغاة رغم ظلمهم وطغيانهم ، واصبحت تلك الشعوب مدجنة تصفق للطغاة ليل نهار.
لا شك ان الثقافة التقليدية في العالم العربي كان لها دور اساسي في ترسيخ حكم الطغاة واستعبادهم للشعوب ، هذا يتجلى في الاقوال اليومية التي يستخدمها المواطن العربي والامثال الشعبية الشائعة والرائجة في تلك المجتمعات ، وكان للتحالف بين الانظمة السياسية القمعية مع المؤسسة الدينية خلال تاريخ العرب دور اساسي في سيطرة الطغاة وتجبرهم في الشعوب ، اذ كانت اي حركة تحرر او تمرد او تعقل يقوم بها شخص او مجموعة يتم الصاق بها تهمة الخروج عن الدين وعن الملة ووصفها بالزناديق والمرتدين ، بل عمدت ثقافة الاستعبارد في تاريخ العرب بان طاعة الحاكم والسلطان هي جزء من الدين وفرض فرضه االله عز وجل على المسلمين ، فقد تم استثمار المؤسسة الدينية عبر تاريخ العرب لخدمة السلاطين ، حتى اصبح لديهم وعاظ ورجال فتوى يفتون لهم بما يعزز حكمهم وسلطانهم وطغيانهم ، هذا ما ترسخ وتعمد عبر سنوات الظلم والطغيان التي عاشتها الشعوب العربية ، وعند اعلان استقلال البلاد العربية وبناء انظمتها السياسية السلطوية كانت الشعوب عبر تاريخها وثقافتها مدجنة ومشبعة بثقافة الاستعباد والتحميد والتبجيل والتصفيق للحكام الطغاة ، مما وفر للطغاة بيئة خصبة ومريحة في استعباد شعوبهم ونهب خيرات بلادهم وجعلها اكثر بلاد العالم فقرا وجهلا.
لاشك ان الجهل والفقر والدين هو سلاح الطغاة الوحيد في استعباد شعوبهم واذلالها، استخدم الطغاة اسلوب التلقين والتخويف والتخوين في مواجهة الحركات المستنيرة ومن تاقوا الى التحرر من الظلم والاستعباد، فكات كل الحركات والمحاولات التي بدات تظهر وتتمرد على هذا الواقع المؤلم حركات فاشلة يتم القضاء عليها بسهولة بسلاح الدين والخيانة والجهل والفقر .
لن يتحرر العالم العربي ما لم تتحرر عقول الشعوب العربية من الخرافات والثقافات البالية التي تمجد الطغاة وتصفق لهم ، ونسال كل يوم من يصنع الطغاة ؟؟ الطغاة تصنعهم الشعوب الجاهلة والشعوب التي لا تفكر والشعوب التي تتصرف بعواطفها وجوارحها ، والشعوب التي جمدت عقولها ومنعتها من التفكير ، الشعوب التي تتشبث بالخرافات و الاوهام ، والشعوب التي تعيش التخلف وتتغنى به، والشعوب التي تمجد العبودية ليل نهار ، الشعوب التي تفتخر بالعائلة والقبيلة ، والشعوب التي تنتمي للطائفة والمذهب ، والشعوب التي تتغنى بالماضي وتعيش على احلامه ، والشعوب التي تقضي كل اواقاتها في البحث عن كتب تفسير الاحلام و كتب الطبخ واعداد الطعام ، والشعوب التي تصف المراة بانها انسان ناقص ، الشعوب التي تقتل النساء بحجة شرف العائلة ، والشعوب التي تميز بينها بناء على العرق واللون والجنس و الدين ، هؤلاء هم من يصنعون الطغاة.